رمضان- نور القرآن، صلاة التراويح، وآداب المساجد

المؤلف: نجيب يماني10.07.2025
رمضان- نور القرآن، صلاة التراويح، وآداب المساجد

مع اقتراب شهر رمضان المعظم، شهر الخير والبركة والعمل الصالح، هذا الشهر الفضيل الذي شهد نزول القرآن الكريم، والذي يمتاز بفضائل جمة تشمل الصلاة، وتلاوة القرآن، وفعل الخيرات، والتصدق، والقيام.

لقد حثنا نبي الرحمة قائلاً: «اتقوا شهر رمضان فإنه شهر الله، واحرصوا على عدم التفريط فيه، فقد منحكم الله أحد عشر شهراً لتنعموا فيها، وخصص لنفسه شهر رمضان، فاحذروا شهر رمضان»، إنه الشهر الذي تتلاقى فيه الأرض بالسماء، فيسطع نور يغمر الأرض بنور القرآن، فهو شهر القرآن الذي أُنزل فيه.

تستعد المساجد في هذا الشهر المبارك وتتجمل استعدادًا لاستقبال المصلين لأداء الصلوات المفروضة وإحياء سنة التراويح والقيام، ويتنافس المسلمون جميعًا في الإقبال عليهما.

فما هي صلاة التراويح في الأصل؟

التراويح، من الناحية الاصطلاحية، هي صلوات غير واجبة، تُقام في ليالي شهر رمضان المبارك بعدد محدد من الركعات. أما لغةً، فهي جمع كلمة "ترويحة"، وهي مشتقة من الراحة، وتعني استراحة القوم بعد كل أربع ركعات. وقد ورد في (الموطأ) أنه: خرجت مع عمر في رمضان إلى المسجد، فرأيت الناس متفرقين، يصلي الرجل وحده، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أفضل، فجمعهم على أُبي بن كعب. ثم خرجت معه في ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمت البدعة هذه. ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى هذه الصلاة، لأصبحت سنة ثابتة، ولكنه لم يصلها؛ لذلك قال عمر إنها بدعة، ونعمت البدعة، ولولا ذلك لقال إنها سنة، ونعمت السنة هي. ويقول ابن قدامة: إنما سماها بدعة لأن الرسول لم يسنّها.

لقد أجمع المسلمون على أداء صلاة التراويح، وتهافتوا على المساجد رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، حتى أصبحت من العادات الرمضانية المستحبة التي يحرص عليها كل مسلم.

لذا، فمن الضروري أن يتحلى أئمة المساجد بالرفق في أدائها، وأن يتجنبوا إطالة وقتها، حتى لا يملّ منها الصغار، ويراها الكبار عبئاً يعيقهم عن إنجاز أعمالهم وممارسة تجارتهم، فيتذمروا منها، ويجدوا لأنفسهم الأعذار للتخلف عن حضورها، متحججين بأن الإمام يطيل في صلاته.

فالزمن قد تغير، والأوضاع تبدلت، وأصبح الجميع مشغولين، فما كان مقبولاً في الماضي، أصبح اليوم مملاً ومضجراً.

إنها فرصة رمضانية روحانية لتعويد الشباب على زيارة المساجد، للاستماع إلى تلاوة القرآن وأداء الصلوات، ولجعل قلوبهم معلقة بالمساجد، مع التأكيد على ضرورة إتقان قراءة القرآن وتجويده بنطق سليم وصوت جميل، يجذب المصلين للاستماع بخشوع وتعلم نطق الآيات.

يروى أنس بن مالك أن أبا موسى كان يقرأ القرآن بصوت جهوري، في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت نساء النبي يستمعن لقراءته وصوته وهو لا يعلم، فأخبره أحدهم بعد قراءته بأن زوجات النبي كن يستمعن إليه، فقال أبو موسى: لو علمت لحبرته تحبيراً، أي لزدت في تحسينه بصوتي تزييناً، ولشوقت تشويقاً، أي لجعلت من يسمع يشتاق إلى سماع المزيد لحسن الصوت. وحسن الصوت يتحقق بحسن الأداء، بحيث تُبين الحروف وتخرج من مخارجها، حتى يبدو القرآن واضحاً بيناً، ويكون بحسن النغمة بما يحقق مقصوده من الخشية والخشوع والتفهم.

وهذا يشير إلى أن تحسين الصوت بالقرآن وتطريبه أمر مرغوب فيه لتحقيق الخشوع، دون تغيير في لفظه وحروفه وأحكامه.

نجد أن بعض الناس يتركون مساجد الحي الذي يسكنون فيه، ويتوجهون إلى مساجد بعيدة، بحجة أن إمام مسجدهم يطيل في صلاته، وصوته ليس جميلاً، وقراءته غير واضحة.

لذا، ينبغي على كل إمام مسجد أن يراعي ظروف الناس وأحوالهم، وأن يوازن بين الواجب والواقع، فالإسلام دين يسر وتسهيل، ومراعاة لجميع الناس.

إن الإطالة في الصلاة أمر منهي عنه، وقد أمر رسول الرحمة الأئمة بأن يرفقوا بالناس، فقال: أيكم أم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة، فالواجب على الإمام أن لا يثقل على الناس في صلواتهم.

كان عليه الصلاة والسلام يصلي صلاة معتدلة، لا إطالة فيها ترهق الناس.

فالواجب على الأئمة أن يقتدوا به، حتى لا يفتنوا الناس، ولا يشجعوهم على ترك الصلاة مع الجماعة، فإذا صلى صلاة معتدلة، ليس فيها مشقة، اجتمع الناس وصلوا جماعة، وحثوا بعضهم البعض على أدائها في المساجد؛ ولهذا قال: أفتان أنت يا معاذ، عندما قرأ سورة البقرة في صلاته.

هناك بعض الأئمة من يبالغ في وضع بخور العود في المسجد، دون مراعاة لمن يعانون من مشاكل في الصدر أو حساسية في الأنف، وبعض المصلين يغمرونك بدهن العود بعد كل تسليمة، فتخرج وقد تداعت أركانك، وثقل رأسك، وانفجر أنفك من شدة العطاس. وبعضهم تناسى حديث رسول الله: «من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزل مسجدنا - وليقعد في بيته».

والبعض الآخر يأتي بثوب نومه المتلطخ بالعرق ورائحة طعامه ومنزله.

نكتب على بطاقات أفراحنا "جنة الأطفال بيوتهم"، ثم نأتي بأطفالنا ليلهوا في المسجد ويركضوا في أرجائه. والأدهى والأمر من ذلك، أن يأتي أحدهم بشورت فوق الركبة، يجره للأسفل في كل ركعة وسجدة، لا يستر وإنما يجسد كتلة اللحم والعظم.

هذا بيت الله ونحن ضيوفه، فلنحرص على الأدب والاحترام للمكان والزمان. تقبل الله منا الصيام والقيام والطاعات.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة